Add parallel Print Page Options

يُوآبُ يُوَبِّخُ دَاوُد

19 ونَقَلَ النَّاسُ الأخْبَارَ إلَى يُوآبَ، فَقَالُوا: «هَا إنَّ المَلِكَ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أبْشَالُومَ.»

كَانَ جَيْشُ دَاوُدَ قَدْ رَبِحَ المَعْرَكَةَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. لَكِنَّ هَذَا اليَوْمَ تَحَوَّلَ إلَى يَوْمِ بُكَاءٍ حَزِينٍ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ لِأنَّهُمْ سَمِعُوا بِأنَّ المَلِكَ حزينٌ جِدًّا عَلَى ابْنِهِ.

فَدَخَلَ الجَيْشُ المدينةَ بِصَمْتٍ، كَأنَّهُمْ هُزِمُوا فِي مَعْركَةٍ وَهَرَبُوا! كَانَ المَلِكُ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ وَهُوَ يَبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ: «آهِ يَا بُنيَّ أبْشَالُومُ، آهِ يَا أبْشَالُومُ، يَا بُنَيَّ يَا بُنيَّ!»

وَدَخَلَ يُوآبُ مَنْزِلَ المَلِكِ وقَالَ لَهُ: «أنْتَ تُهينُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ضُبَّاطِكَ! هَا إنَّ أولئِكَ الضُّبَّاطَ أنْقَذُوا حَيَاتَكَ اليَوْمَ، وَأنْقَذُوا حَيَاةَ أبنَائِك وبَنَاتِكَ وَزَوْجَاتِكَ وخَادِمَاتِكَ. تُحِبُّ النَّاسَ الَّذِينَ يكرَهونكَ وتكرَهُ الَّذِينَ يُحبّونَكَ. لَقَدْ أظْهَرْتَ اليَوْمَ بِوضوحٍ أنَّ ضُبَّاطَكَ وَرِجَالَكَ لَا يَعْنُونَ لكَ شَيْئًا. وَلَوْ أنَّ أبْشَالُومَ عَاشَ وَقُتِلْنَا نَحْنُ جَمِيعًا اليَوْمَ، لَكُنْتَ فِي غَايَةِ السَّعَادَةِ! فَانْهَضِ الآنَ وَكَلِّمْ ضُبَّاطَكَ. شجِّعْهُمْ! أُقْسِمُ بِاللهِ أنَّكَ مَا لَمْ تَخْرُجْ وَتَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الحَالِ، فلَنْ يَكُونَ مَعَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ اللَّيلَةَ. وَسَيَكُونُ ذَلِكَ أسْوأ مِنْ كَافَّةِ المَتَاعِبِ الَّتِي وَاجَهْتَهَا مُذْ كُنْتَ وَلَدًا.»

فذَهَبَ المَلِكُ إلَى بوَّابَةِ المَدِينَةِ، وَانْتَشَرَتْ أخْبَارُ وُجُودِهِ هُنَاكَ، فَجَاءَ الشَّعْبُ كُلُّهُ لِيَرَاهُ.

دَاوُدُ مَلِكٌ مِنْ جَدِيد

كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهُمُ الَّذِينَ تَبِعُوا أبْشَالُومَ قَدْ هَرَبُوا وَذَهبُوا إلَى ديَارِهِمْ. ورَاحَ النَّاسُ فِي كَافَّةِ عَائِلَاتِ إسْرَائِيلَ يَتَجَادَلُونَ. قَالُوا: «لَقَدْ خَلَّصَنَا المَلِكُ دَاوُدُ مِنَ الفِلِسْطيِّينَ وَأعْدَائِنَا الآخَرِينَ. هرَبَ مِنْ أبْشَالُومَ، فَاخْتَرْنَا هَذَا لِيَحْكُمَنَا. 10 لَكِنَّ أبْشَالُومَ قَدْ مَاتَ الآنَ. لَقَدْ قُتِلَ فِي المعركَةِ، لذَا يَجْدُرُ بِنَا أنْ نُعِيدَ دَاوُدَ وَنَجْعَلَهُ مَلِكًا مِنْ جَدِيدٍ.»

11 وَأرْسَلَ المَلِكُ دَاوُدُ رِسَالَةً إلَى الكَاهِنَينِ صَادُوقَ وَأبْيَاثَارَ يَقُولُ فِيهَا: «كَلِّمَا قَادةَ يَهُوذَا، وَقُولَا لَهُم: ‹أأنْتُمْ آخِرُ العَائِلَاتِ الَّتِي تُعِيدُ المَلِكَ دَاوُدَ إلَى مَنْزِلِهِ؟ هَا إنَّ جَمِيعَ بَنِي إسْرَائِيلَ يتحدَّثونَ عَنْ إعَادَةِ المَلِكِ إلَى مَنْزِلِهِ. 12 أنْتُمْ إخْوَتِي وَعَائِلتِي. فلِمَاذَا أنْتُم آخِرُ العَائلَاتِ الَّتِي تُرْجِعُ المَلِكَ؟› 13 وَقُولَا لِعَمَاسَا: ‹أنْتَ جُزءٌ مِنْ عَائِلَتِي. فليُعَاقِبْنِي اللهُ إنْ لَمْ أجْعَلْكَ قَائِدَ الجَيْشِ بَدلَ يُوآبَ.›»

14 وَأثَّرَتْ كَلِمَاتُ دَاوُدَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ جَمِيعًا فِي يَهُوذَا، فَاتَّفَقُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأرْسَلُوا إلَى المَلِكِ يَقُولُونَ: «عُدْ أنْتَ وجَمِيعُ رِجَالِكَ!»

15 فَجَاءَ المَلِكُ دَاوُدُ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ. وَجَاءَ بنو يَهُوذَا إلَى الجِلْجَالِ لِكَي يُلَاقُوا المَلِكَ ويَعْبُرُوا بِهِ نَهْرَ الأُرْدُنِّ.

شِمْعَى يطلُبُ السَّمَاحَ مِنْ دَاوُد

16 كَانَ شِمْعَى بْنُ جِيرَا مِنْ عَائِلةِ بَنْيَامِينَ، وَيَعِيشُ فِي بَحُورِيمَ. وَنَزِلَ هَذَا مُسْرِعًا مَع بَنِي يَهُوذَا لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ. 17 وقَدْ جَاءَ مَعَهُ نَحْوَ ألْفِ شَخْصٍ مِنْ عَائِلَاتِ بَنْيَامِين. كَذَلِكَ جَاءَ صِيبَا خَادِمُ عَائِلةِ شَاوُلَ، وقَدْ أحْضَرَ مَعَهُ أبْنَاءَهُ الخَمْسَةَ عَشَرَ وَخُدَّامَهُ العِشْرينَ. هَؤلَاءِ كلُّهُمْ أسْرَعُوا إلَى نَهْرِ الأُردُنِّ لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ.

18 وَعَبَرَ النَّاسُ نَهْرَ الأُرْدُنِّ لِيُسَاعِدُوا فِي إعَادَةِ عَائِلَةِ المَلِكِ إلَى يَهُوذَا، وقَدْ فَعَلُوا كُلَّ مَا أرَادَهُ المَلِكُ. وَبَيْنَمَا كَانَ المَلِكُ يَعْبُرُ النَّهْرَ، جَاءَ شِمْعَى بْنُ جِيرَا لِلقَائِهِ، فَانْحَنَى أمَامَهُ نَحْوَ الأرْضِ. 19 ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا مَوْلَايَ، لَا تُحَاسِبْنِي عَلَى الأشْيَاءِ الخَاطِئَةِ الَّتِي فَعَلْتُهَا بِحَقِّكَ. يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، لَا تتذكَّرِ الأشْيَاءَ السَّيِّئةَ الَّتِي فَعَلْتُهَا عِنْدمَا غَادَرْتَ مَدِينَةَ القُدْسِ. 20 تَعْرِفُ أنَّنِي أخْطَأتُ. لذَا أنَا اليَوْمَ أوَّلُ شَخْصٍ مِنْ عَائِلةِ يُوسُفَ يَنْزِلُ للقَائِكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي.»

21 لَكِنَّ أبِيشَايَ بنَ صُرُوِيَّةَ قَالَ: «يَجْبُ أنْ نَقتُلَ شِمْعَى لِأنَّهُ لَعَنَ المَلِكَ الَّذِي مَسَحَهُ اللهُ[a]

22 فَقَالَ دَاوُدُ: «مَاذَا يَجْدُرُ بِي أنْ أفْعَلَ بكُم يَا أبْنَاءَ صُرُوِيَّةَ؟ أنْتُمُ اليَوْمَ ضِدّي. وَهَلْ يُعْدَمُ أحَدٌ فِي إسْرَائِيلَ؟ اليَوْمَ أعْرِفُ أنَّنِي مَلِكُ إسْرَائِيلَ.»

23 ثُمَّ قَالَ المَلِكُ لشِمْعَى: «لَنْ تَمُوتَ.» وَعَدَ المَلِكُ شِمْعَى بِأنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ لَنْ يَقْتُلَهُ.

مَفِيبُوشَثُ يَذْهَبُ لِرؤيَةِ دَاوُد

24 وَنزلَ مَفِيبُوشَثُ حَفيدُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ المَلِكِ دَاوُدَ. وَمُنْذُ الوَقْتِ الَّذِي غَادَرَ فِيهِ المَلِكُ مَدِينَةَ القُدْسِ إلَى أنْ عَادَ بِسَلَامٍ، لَمْ يَكُنْ مَفِيبُوشَثُ قَدِ اهْتَمَّ لِرِجلَيهِ أوْ شَذَّبَ شَارِبَهُ أوْ غَسَلَ ثيَابَهُ. 25 وَعِنْدَمَا التقى بِالْمَلِكِ فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، قَالَ لَهُ المَلِكُ: «لِمَ لَمْ تذهَبْ معي يَا مَفِيبُوشَثُ عِنْدَمَا هَرَبْتُ مِنْ مَدِينَةِ القُدْسِ؟»

26 فأجَابَ مَفِيبُوشَثُ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، لَقَدْ خَدَعَنِي خَادِمِي. فَأنَا أعْرَجُ، لِذَا قُلْتُ لِخَادِمِي صِيبَا: اذْهَبْ وَأسْرِجِ الحِمَارَ لِكَي أركَبَهُ وَأذْهَبَ مَعَ المَلِكِ. 27 لَكِنَّ خَادِمِي خَدَعَنِي فَذَهَبَ إلَيكَ وَحْدَهُ وَقَالَ أشْيَاءَ سيِّئَةً عنِّي. إنَّمَا أنْتَ كَمَلَاكٍ مِنْ عندِ اللهِ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، فَافْعَلْ مَا ترَاهُ صَوَابًا. 28 كَانَ مُمْكِنًا أنْ تَقْتُلَ عَائِلَةَ جَدِّي كُلَّهَا، لكِنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ. وضَعْتَنِي مَعَ النَّاسِ الَّذِينَ يَأْكُلونَ مِنْ مَائِدَتِكَ. لِذَا لَا أمْلُكُ الحَقَّ فِي التَّذَمُّرِ لَدَى المَلِكِ بِشأنِ أيِّ شَيءٍ.»

29 فَقَالَ الملِكُ لمَفِيبُوشَثَ: «لَا تَقُلِ المَزيدَ عَنْ مشَاكِلِكَ. إلَيْكَ مَا قرَّرْتُ: سَتَقْتَسِمَانِ الأرْضَ: صِيبَا وَأنْتَ.»

30 فقَال مَفِيبُوشَثُ لِلمَلِكِ: «يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، يَكفي أنَّك أتَيْتَ إلَى دَارِكَ بسَلَامٍ. فليأخُذْ صِيبَا الأرْضَ كُلَّهَا!»

دَاوُدُ يَطْلُبُ مِنْ بَرَزَلَّايَ أنْ يُرَافِقَهُ

31 وَنزِلَ بَرَزَلَّايُ الجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ، وَجَاءَ إلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ مَعَ المَلِكِ دَاوُدَ لِيَعْبُرَ النَّهْرَ مَعَهُ. 32 كَانَ بَرَزَلَّايُ مُتَقَدِّمًا فِي السِّنِّ، يَبْلُغُ مِنَ العُمْرِ ثَمَانينَ عَامًا. وَقَدْ أعْطَى المَلِكَ طَعَامًا عِنْدمَا مَكَثَ دَاوُدُ فِي مَحْنَايِمَ لِأنَّهُ كَانَ رجُلًا غَنِيًّا جِدًّا. 33 فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «أُعْبُرِ النَّهرَ مَعِي وسَأعْتَنِي بِكَ إن عِشْتَ مَعِي فِي مَدِينَةِ القُدْسِ.»

34 لَكِنَّ بَرَزَلَّايَ قَالَ لِلمَلِكِ: «هَلْ تَعْرِفُ كَمْ أبلُغُ مِنَ العُمْرِ؟ أنَا أكْبَرُ مِنْ أنْ أذْهَبَ إلَى مَدِينَةِ القُدْسِ. 35 أنَا فِي الثمَانينَ مِنْ عُمْرِي! فَهَلُ أُمِيِّزُ حُلْوَ الأيَّامِ عَنِ مُرِّهَا! هَلْ أُمّيِّزُ – أنَا خَادِمَكَ – طَعْمَ مَا آكُلُ وَمَا أشْرَبُ؟ فَمَا لِي وَالِاسْتِمَاعِ لِلمُغَنِّينَ وَالمُغَنِّيَاتِ؟ لِمَاذَا يَكُونُ خَادِمُكَ عِبْئًا جَديدًا عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ المَلِكَ؟ 36 أنَا لَا أحْتَاجُ أيًّا مِنَ الأشْيَاءِ الَّتِي تُريِدُ أنْ تُعْطِيَنِي إيَّاهَا. سَأعْبُرُ مَعَكَ نَهْرَ الأُرْدُن مَسَافَةً قَلِيلَةً. 37 لَكِنِ اسْمَحْ لِي – أنَا خَادِمَكَ – فَأعُودَ إلَى دَارِي، فَأمُوتَ فِي مَدينَتي، وَأُدْفَنَ فِي مَقْبرةِ أبِي وَأُمِّي. فَلْيَذْهَبْ كِمْهَامُ خَادِمُكَ مَعَكَ يَا مَوْلَايَ وَمَلِكِي، وَافْعَلْ بِهِ مَا تَشَاءُ.»

38 فأجَابَ المَلِكُ: «سَيَذْهَبُ كِمْهَامُ مَعِي، وَسَأكُونُ لَطِيفًا وَمُحْسِنًا مَعَهُ مِنْ أجْلِكَ. سأفْعَلُ لَكَ أيَّ شَيءٍ.»

دَاوُدُ يَعُودُ إلَى دَارِه

39 فقَبَّلَ المَلِكُ بَرَزَلَّايَ وَبَارَكَهُ. وَعَادَ بَرَزَلَّايُ إلَى دَارِهِ. أمَّا المَلِكُ وَالشَّعْبُ كُلُّهُ فَقَدْ عَبَرُوا النَّهْرَ.

40 عَبَرَ المَلِكُ نَهْرَ الأردُنِّ إلَى الجِلْجَالِ. وَذَهَبَ مَعَهُ كِمْهَامُ. أمَّا بَنُو يَهُوذَا ونِصْفُ بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَدْ قَادُوا دَاوُدَ عَبْرَ النَّهْرِ.

بَنُو إسْرَائِيلَ يُجَادِلُونَ بَنِي يَهُوذَا

41 وَجَاءَ بَنُو إسْرَائِيلَ كُلُّهمْ إلَى المَلِكِ وقَالُوا لَهُ: «بنو يَهُوذَا إخْوَتُنَا سَرَقُوكَ وَعَبَرُوا بِكَ وبِعَائلتِكَ ورِجَالِكَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ.»

42 فأجَابَ بَنُو يَهُوذَا كُلُّهُمْ بَنِي إسْرَائِيلَ: «لِأنَّ صِلَةَ القَرَابَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَلِكِ أوثَقُ. فَلِمَ أنْتُم غَاضِبونَ مِنَّا بِهذَا الشَّأْنِ؟ فَنَحْنُ لَمْ نَأكُلْ طَعَامًا عَلَى حِسَابِ المَلِكِ، وَهْوَ لَمْ يُقَدِّمْ لَنَا أيَّةَ هَدَايَا.»

43 فأجَابَ بَنُو إسْرَائِيلَ: «لَنَا فِي المَلِكِ عشرَةُ أسْهُمٍ. لذَا يَحِقُّ لنَا بِدَاوُدَ أكْثَرَ مِنْكُم، لَكِنَّكُمْ تَجَاهَلْتُمُونَا. لَقَدْ كُنَّا أوَّلَ المُتَكَلَّمِينَ عَنْ إعَادَةِ مَلِكِنَا.»

لَكِنَّ جَوَابَ بَنِي يَهُوذَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ جَاءَ قَبِيحًا أشَدَّ القُبْحِ. كَانَتْ عِبَارَاتُهُمْ أشَدَّ قُبْحًا مِنْ عِبَارَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ.

Footnotes

  1. 19‏:21 الَّذِي مَسَحَهُ الله حرفيًا «مسِيح يهوه» كَانَ المَلِكُ يُمْسَحُ بزيتٍ وَأطيَابٍ خَاصّةٍ كَعَلَامَةٍ عَلَى أنّ اللهَ قدِ اختَارهُ وَأهَّلهُ لِهذَا العمل.

19 وَقِيلَ لِيُوآبَ: «هُوَذَا الْمَلِكُ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَالُومَ». فَتَحَوَّلَ النَّصْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَدَى جَمِيعِ الْجَيْشِ إِلَى مَنَاحَةٍ، إِذْ شَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمَلِكَ قَدْ حَزِنَ جِدّاً عَلَى مَصْرَعِ ابْنِهِ. فَتَسَلَّلَ أَفْرَادُ الْجَيْشِ عَائِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ قَوْمٌ لَحِقَ بِهِمْ عَارُ الْهَزِيمَةِ. وَأَخْفَى الْمَلِكُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ صَارِخاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، ابْنِي». فَتَوَجَّهَ يُوآبُ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «لَقَدْ أَخْجَلْتَ الْيَوْمَ جَمِيعَ رِجَالِكَ الَّذِينَ أَنْقَذُوكَ أَنْتَ وَأَبْنَاءَكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءَكَ وَمَحْظِيَّاتِكَ، بِمَحَبَّتِكَ لِمُبْغِضِيكَ وَبُغْضِكَ لِمُحِبِّيكَ، فَقَدْ أَبْدَيْتَ الْيَوْمَ بِوُضُوحٍ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لَدَيْكَ لِلرُّؤَسَاءِ وَلا لِلْعَبِيدِ، لأَنِّي أَدْرَكْتُ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا هَلَكْنَا، لَطَابَ الأَمْرُ لَكَ. فَقُمِ الآنَ وَاخْرُجْ وَاشْرَحْ قُلُوبَ رِجَالِكَ، لأَنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ، فَلَنْ يَبْقَى مَعَكَ أَحَدٌ اللَّيْلَةَ، فَيَكُونُ هَذَا الأَمْرُ أَسْوَأَ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ كَارِثَةٍ أَصَابَتْكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الآنَ». فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ. فَذَاعَ الْخَبَرُ بَيْنَ جَمِيعِ أَوْسَاطِ الْجَيْشِ أَنَّ المَلِكَ جَاِلسٌ عِنْدَ الْبَوَّابَةِ، فَأَقْبَلَ الجَيْشُ إلَيْهِ. أَمَّا الإِسْرَائِيلِيُّونَ فَهَرَبُوا لائِذِينَ بِبُيُوتِهِمْ.

عودة داود إلى أورشليم

وَنَشَبَتْ خُصُومَاتٌ بَيْنَ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ قَبْضَةِ أَعْدَائِنَا، وَخَلَّصَنَا مِنْ حُكْمِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَهَا هُوَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الأَرْضِ لِيَنْجُوَ مِنْ أَبْشَالُومَ. 10 وَأَبْشَالُومُ الَّذِي نَصَّبْنَاهُ مَلِكاً عَلَيْنَا مَاتَ فِي الْحَرْبِ. فَالآنَ لِمَاذَا أَنْتُمْ مُتَقَاعِسُونَ عَنْ إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟» 11 وَبَعَثَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ قَائِلاً: «اسْأَلا شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرَ مَنْ يُطَالِبُ بِعَوْدَةِ الْمَلِكِ إِلَى مَقَرِّهِ، وَقَدْ بَلَغَ مَسَامِعَ الْمَلِكِ فِي بَيْتِهِ كُلُّ مَا قِيلَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ 12 أَنْتُمْ إِخْوَتِي وَعَظْمِي وَلَحْمِي، فَلِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرَ مَنْ يُطَالِبُ بِإِرْجَاعِ الْمَلِكِ. 13 وَقُولا لِعَمَاسَا: أَلَسْتَ أَنْتَ مِنْ لَحْمِي وَعَظْمِي؟ فَلْيُعَاقِبْنِي الرَّبُّ أَشَدَّ عِقَابٍ وَيَزِدْ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْكَ طَوَالَ حَيَاتِكَ قَائِداً لِجَيْشِي بَدَلَ يُوآبَ». 14 فَاسْتَمَالَ بِذَلِكَ قُلُوبَ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يُنَاشِدُونَهُ الرُّجُوعَ قَائِلِينَ: «عُدْ أَنْتَ وَجَمِيعُ رِجَالِكَ». 15 فَرَجَعَ الْمَلِكُ حَتَّى بَلَغَ الأُرْدُنَّ، فَتَوَافَدَ رِجَالُ يَهُوذَا إِلَى الْجِلْجَالِ لاِسْتِقْبَالِهِ وَالْعُبُورِ بِهِ نَهْرَ الأُرْدُنِّ.

16 وَأَسْرَعَ شِمْعِي بْنُ جِيرَا الْبَنْيَامِينِيُّ، الَّذِي مِنْ بَحُورِيمَ، وَرَافَقَ رِجَالَ يَهُوذَا لاسْتِقْبَالِ الْمَلِكِ دَاوُدَ، 17 وَمَعَهُ أَلْفُ رَجُلٍ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، كَمَا جَاءَ صِيبَا خَادِمُ شَاوُلَ وَمَعَهُ أَوْلادُهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَعَبِيدُهُ الْعِشْرُونَ، وَخَاضُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ أَمَامَ الْمَلِكِ. 18 وَإِذِ اجْتَازُوا الْمَخَاضَةَ لِمُوَاكَبَةِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَعَمَلِ مَا يَسْتَحْوِذُ عَلَى رِضَاهُ، مَثَلَ شِمْعِي بْنُ جِيرَا أَمَامَ المَلِكِ عِنْدَ عُبُورِهِ الأُرْدُنَّ وَسَجَدَ لَهُ مُتَوَسِّلاً 19 قَائِلاً: «لِيَغْفِرْ لِي سَيِّدِي الْمَلِكُ إِثْمِي وَلا يَذْكُرِ افْتِرَاءَ عَبْدِهِ عَلَيْهِ عِنْدَمَا خَرَجَ المَلِكُ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَلا يَكْتُمْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ، 20 لأَنَّ عَبْدَكَ قَدْ أَدْرَكَ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ، هَا أَنَا قَدْ جِئْتُ الْيَوْمَ فِي طَلِيعَةِ بَيْتِ يُوسُفَ لاسْتِقْبَالِ سَيِّدِي الْمَلِكِ». 21 فَقَالَ أَبِيشَايُ بْنُ صُرُويَّةَ: «أَلا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ شِمْعِي لأَجْلِ هَذَا؟ لَقَدْ شَتَمَ مُخْتَارَ الرَّبِّ». 22 فَقَالَ دَاوُدُ: «كُفَّا عَنِّي يَاابْنَيْ صُرُويَّةَ، فَلِمَاذَا تُقَاوِمَانِنِي؟ أَيُقْتَلُ الْيَوْمَ أَحَدٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ أَلَسْتُ أَنَا الآنَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ؟» 23 ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «لَنْ تَمُوتَ». وَأَقْسَمَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.

24 وَكَذَلِكَ جَاءَ مَفِيبُوشَثُ حَفِيدُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، وَكَانَ قَدْ أَهْمَلَ الاعْتِنَاءَ بِرِجْلَيْهِ وَلِحْيَتِهِ، وَلَمْ يَغْسِلْ ثِيَابَهُ مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي غَادَرَ فِيهِ الْمَلِكُ أُورُشَلِيمَ إِلَى حِينِ رُجُوعِهِ سَالِماً. 25 وَعِنْدَمَا جَاءَ لِلِقَائِهِ فِي أُورُشَلِيمَ سَأَلَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا لَمْ تَأْتِ مَعِي يَا مَفِيبُوشَثُ؟» 26 فَأَجَابَ: «إِنَّ عَبْدَكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ أَعْرَجُ، فَقُلْتُ لِنَفْسِي. أُسْرِجُ حِمَارِي وَأَرْكَبُ عَلَيْهِ وَأَمْضِي مَعَ المَلِكِ، وَلَكِنَّ صِيبَا وَكِيلَ أَعْمَالِي خَدَعَنِي، 27 وَوَشَى بِعَبْدِكَ بُهْتَاناً إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَسَيِّدِي الْمَلِكُ كَمَلاكِ اللهِ. فَافْعَلْ مَا يَرُوقُ لَكَ. 28 إِنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْكَ شَيْئاً سِوَى الْمَوْتِ، وَلَكِنَّكَ أَكْرَمْتَنِي، فَجَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ، فَأَيُّ حَقٍّ لِي بَعْدُ أُطَالِبُ بِهِ الْمَلِكَ؟» 29 فَأَجَابَهُ الْمَلِكُ: «كَفَاكَ حَدِيثاً عَنْ شُؤُونِكَ، لَقَدْ أَمَرْتُ أَنْ تَقْسِمَ أَنْتَ وَصِيبَا الْحُقُولَ». 30 فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ: «فَلْيَأْخُذْهَا كُلَّهَا بَعْدَ أَنْ عَادَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِهِ بِسَلامٍ».

31 وَنَزَلَ بَرْزِلايُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ لِيُشَيِّعَهُ مِنْ هُنَاكَ. 32 وَكَانَ بَرْزِلايُ قَدْ طَعَنَ فِي السِّنِّ وَبَلَغَ الثَّمَانِينَ عَاماً، وَكَانَ قَدْ عَالَ الْمَلِكَ عِنْدَ إِقَامَتِهِ فِي مَحَنَايِمَ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً ثَرِيًّا جِدّاً. 33 فَقَالَ الْمَلِكُ لِبَرْزِلايَ: «تَعَالَ مَعِي لأُورُشَلِيمَ فَأَقُومَ عَلَى إِعَالَتِكَ» 34 فَأَجَابَ بَرْزِلايُ: «كَمْ بَقِيَ لِي مِنَ الْعُمْرِ حَتَّى أَصْعَدَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟ 35 أَنَا الْيَوْمَ قَدْ بَلَغْتُ الثَّمَانِيَن، فَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُمَيِّزَ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ؟ وَهَلْ يَلْتَذُّ عَبْدُكَ بِمَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ؟ وَهَلْ مَازِلْتُ قَادِراً عَلَى الاسْتِمَاعِ إِلَى أَصْوَاتِ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ؟ فَلِمَاذَا يُصْبِحُ عَبْدُكَ عِبْئاً عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ؟ 36 لِيُرَافِقْ عَبْدُكَ مَوْكِبَكَ قَلِيلاً بَعْدَ عُبُورِكَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ. وَلَكِنْ عَلامَ يُكَافِئُنِي الْمَلِكُ هَذِهِ الْمُكَافَأَةَ؟ 37 دَعْنِي أَرْجِعُ لأَمُوتَ فِي مَدِينَتِي بِجِوَارِ ضَرِيحِ أَبِي وَأُمِّي، وَهَا هُوَ وَلَدِي كِمْهَامُ يَذْهَبُ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ فَكَافِئْهُ بِمَا يَحْلُو لَكَ». 38 فَأَجَابَ الْمَلِكُ: «لِيُرَافِقْنِي كِمْهَامُ فَأُجْزِلَ لَهُ مَا يَرُوقُ لَكَ مِنْ مُكَافَأَةٍ وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ مِنِّي أُلَبِّيهِ لَكَ». 39 فَاجْتَازَ جَمِيعُ الشَّعْبِ نَهْرَ الأُرْدُنِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمَلِكُ. وَقَبَّلَ الْمَلِكُ بَرْزِلايَ وَبَارَكَهُ، ثُمَّ قَفَلَ هَذَا رَاجِعاً إِلَى مَحَلِّ إِقَامَتِهِ.

40 وَتَوَجَّهَ الْمَلِكُ إِلَى الْجِلْجَالِ يُرَافِقُهُ كِمْهَامُ وَسَائِرُ شَعْبِ يَهُوذَا الَّذِينَ وَاكَبُوهُ مُجْتَازِينَ بِهِ نَهْرَ الأُردُنِّ، وَكَذَلِكَ نِصْفُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ.

41 وَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «لِمَاذَا أَخَذَكَ إِخْوَتُنَا رِجَالُ يَهُوذَا خُفْيَةً، وَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ بِالْمَلِكِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ وَبِكُلِّ رِجَالِ دَاوُدَ؟» 42 فَأَجَابَ رِجَالُ يَهُوذَا رِجَالَ إِسْرَائِيلَ: «لأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبٌ لَنَا، فَمَاذَا يُثِيرُ غَيْظَكُمْ فِي هَذَا الأَمْرِ؟ هَلْ أَكَلْنَا شَيْئاً مِنْ مَؤُونَةِ الْمَلِكِ؟ هَلْ نِلْنَا مُكَافَأَةً عَلَى ذَلِكَ؟» 43 فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِرِجَالِ يَهُوذَا: «إِنَّ لَنَا عَشَرَةَ سِهَامٍ فِي الْمَلِكِ، وَنَحْنُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِدَاوُدَ، فَلِمَاذَا اسْتَخْفَفْتُمْ بِنَا؟ أَوَ لَمْ نَكُنْ نَحْنُ أَوَّلَ مَنْ تَحَدَّثَ عَنْ إِرْجَاعِ مَلِكِنَا؟» فَكَانَ رَدُّ رِجَالِ يَهُوذَا أَغْلَظَ مِنْ كَلامِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ.