بلدد

فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: «إِلَى مَتَى تَظَلُّ تَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأَقْوَالِ، فَتَخْرُجَ مِنْ فَمِكَ كَرِيحٍ شَدِيدَةٍ؟ أَيُحَرِّفُ اللهُ الْقَضَاءَ، أَمْ يَعْكِسُ الْقَدِيرُ مَا هُوَ حَقٌّ؟ إِنْ كَانَ أَبْنَاؤُكَ أَخْطَأُوا فَقَدْ أَوْقَعَ بِهِمْ جَزَاءَ مَعَاصِيهِمْ. فَإِنْ أَسْرَعْتَ وَطَلَبْتَ وَجْهَ اللهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ، وَإِنْ كُنْتَ نَقِيًّا صَالِحاً، فَإِنَّهُ حَتْماً يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ وَيُكَافِئُكَ بِمَسْكَنِ بِرٍّ. وَإِنْ تَكُنْ أُولاكَ مُتَوَاضِعَةً، فَإِنَّ آخِرَتَكَ تَكُونُ عَظِيمَةً جِدّاً.

اسْأَلِ الأَجْيَالَ الْغَابِرَةَ، وَتَأَمَّلْ مَا اخْتَبَرَهُ الآبَاءُ، فَإِنَّنَا قَدْ وُلِدْنَا بِالأَمْسِ الْقَرِيبِ، وَلا نَعْرِفُ شَيْئاً، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10 أَلا يُعْلِمُونَكَ وَيُخْبِرُونَكَ وَيَبُثُّونَكَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ قَائِلِينَ: 11 أَيَنْمُو الْبَرْدِيُّ حَيْثُ لَا مُسْتَنْقَعَ، أَمْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ؟ 12 إِنَّهَا تَيْبَسُ قَبْلَ سَائِرِ الْعُشْبِ، وَهِيَ فِي نَضَارَتِهَا لَمْ تُقْطَعْ. 13 هَكَذَا يَكُونُ مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَنْسَى اللهَ، وَهَكَذَا يَخِيبُ رَجَاءُ الْفَاجِرِ. 14 يَنْهَارُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَيُصْبِحُ مِثْلَ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ. 15 يَتَّكِئُ عَلَيْهِ فَيَنْهَدِمُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَلا يَثْبُتُ. 16 يَزْدَهِرُ كَشَجَرَةٍ أَمَامَ الشَّمْسِ، تَنْتَشِرُ أَغْصَانُهَا فَوْقَ بُسْتَانِهَا. 17 تَتَشَابَكُ أُصُولُهُ حَوْلَ كَوْمَةِ الْحِجَارَةِ، وَتَلْتَفُّ حَوْلَ الصُّخُورِ. 18 وَلَكِنْ حَالَمَا يُسْتَأْصَلُ مِنْ مَوْضِعِهِ يُنْكِرُهُ مَكَانُهُ قَائِلاً: ’مَا رَأَيْتُكَ قَطُّ!‘ 19 هَكَذَا تَكُونُ بَهْجَةُ طَرِيقِهِ. وَلَكِنْ مِنَ التُّرَابِ يَأْتِي آخَرُونَ وَيأْخُذُونَ مَكَانَهُ.

20 إِنَّ اللهَ لَا يَنْبِذُ الإِنْسَانَ الْكَامِلَ وَلا يَمُدُّ يَدَ الْعَوْنِ لِفَاعِلِي الشَّرِّ. 21 يَمْلأُ فَمَكَ ضَحِكاً وَشَفَتَيْكَ هُتَافاً، 22 عِنْدَئِذٍ يَرْتَدِي مُبْغِضُوكَ الْخِزْيَ، وَبَيْتُ الأَشْرَارِ يَنْهَارُ».

حَدِيثُ بِلْدَد

فَأجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ:

«حَتَّى مَتَى تَتَفَوَّهُ بِهَذَا الكَلَامِ؟
مَا كَلِمَاتُكَ سِوَى هَوَاءٍ!
فَهَلْ يَعوِّجُ اللهُ عَدلَهُ؟
أمْ يُغَيِّرُ القَدِيرُ الصَّوَابَ وَيَظْلِمُ؟
إنْ أخطَأ أبنَاؤُكَ ضِدَّ اللهِ،
فَقَدْ عَاقَبَهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ.
فَإنْ سَعَيتَ إلَى اللهِ،
وَطَلَبْتَ رَحمَةَ القَدِيرِ،
إنْ كُنْتَ نَقِيًّا وَمُسْتَقِيمًا،
فَسَيُصلِحُ اللهُ حَالَكَ حَالًا،
وَيَرُدُّ إلَيْكَ عَائِلَتَكْ.
فَيَكُونُ لَكَ فِي المُسْتَقْبَلِ أكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَكَ فِي المَاضِي.

«سَلِ الأجْيَالَ المَاضِيَةَ،
وَتَعَلَّمْ مَا تَسْتَطِيعُ مِنْ آبَائِهِمْ.
فَمَا نَحْنُ سِوَى أوْلَادِ الأمْسِ،
وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا.
حَيَاتُنَا عَلَى الأرْضِ قَصِيرَةٌ كَالظِّلِّ.
10 ألَا يُعَلِّمُكَ الآبَاءُ؟ ألَا يُكَلِّمُونَكَ؟
ألَا يُخرِجُونَ أقْوَالًا صَادِقَةً مِنْ فَمِهِمْ؟

11 «هَلْ يَنْمُو نَبَاتُ البَرْدِيِّ حَيْثُ لَا مُسْتَنْقَعٌ؟
أمْ هَلْ ينمُو القَصَبُ حَيْثُ لَا مَاءٌ؟
12 بَلْ تَذْوِي وَهِيَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهَا،
وَتَجِفُّ قَبْلَ أنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلقَطعِ.
13 هَذَا هُوَ مَصِيرُ كُلِّ الَّذِينَ يَنْسَونَ اللهَ.
إذْ يَخِيبُ رَجَاءُ الشِّرِّيرِ.
14 يَخِيبُ مَا يَتَكِّلُ عَلَيْهِ،
لِأنَّهُ كَمَنْ يَثِقُ بِخُيُوطِ عَنْكَبُوتٍ.
15 إذَا اتَّكَأ عَلَيْهَا لَا تَصْمُدُ،
وَإذَا مَدَّ يَدَهُ إلَيْهَا لَا تَتَحَمَّلُ.
16 فَيَكُونُ كَنَبتَةٍ رَطِبَةٍ أمَامَ الشَّمْسِ،
تَنْشُرُ أغْصَانَهَا فَوْقَ بُستَانٍ.
17 جُذُورُهَا مُتَشَابِكَةٌ حَوْلَ كَومَةٍ مِنَ الحِجَارَةِ.
تَنْمُو بَيْنَ الصُّخُورِ.
18 وَإذَا اقتُلِعَتْ،
يُنْكِرُهَا مَكَانُهَا وَيَقُولُ مَا رَأيْتُكِ مِنْ قَبْلُ.
19 هَكَذَا تَذْوِي حَيَاةُ النَّبْتَةِ،
وَمِنَ الأرْضِ تَنْمُو أُخْرَى غَيرُهَا.
20 لَا يَرْفُضُ اللهُ الرَّجُلَ الكَامِلَ،
وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ الأشْرَارِ.
21 سَيَملأُ فَمَكَ ضَحِكًا
وَشَفَتَيْكَ أغَانِي فَرَحٍ.
22 سَيَلبَسُ مُبغِضُوكَ الخِزيَ،
وَسَتَخْتَفِي بُيُوتُ الأشْرَارِ.»